الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***
هو تأديب دون الحد وأصله من العزر بمعنى الرد والردع كذا في المغرب وفي ضياء الحلوم هو ضرب دون الحد للتأديب. والتعزير التعظيم والنصر قال تعالى: {وتعزروه} ا هـ. فالظاهر أن ما في ضياء الحلوم معناه اللغوي وما في المغرب معناه الشرعي فإنه شرعا لا يختص بالضرب بل قد يكون به وقد يكون بالصفع وبفرك الأذن وقد يكون بالكلام العنيف وقد يكون بنظر القاضي إليه بوجه عبوس وذكر أبو اليسر والسرخسي أنه لا يباح التعزير بالصفع لأنه من أعلى ما يكون من الاستخفاف فيصان عنه أهل الغفلة كذا في المجتبى وفي ضياء الحلوم الصفع الضرب على القفا ولم يذكر محمد التعزير بأخذ المال وقد قيل روي عن أبي يوسف أن التعزير من السلطان بأخذ المال جائز كذا في الظهيرية وفي الخلاصة سمعت عن ثقة أن التعزير بأخذ المال إن رأى القاضي ذلك أو الوالي جاز ومن جملة ذلك رجل لا يحضر الجماعة يجوز تعزيره بأخذ المال ا هـ. وأفاد في البزازية أن معنى التعزير بأخذ المال على القول به إمساك شيء من ماله عنه مدة لينزجر ثم يعيده الحاكم إليه لا أن يأخذه الحاكم لنفسه أو لبيت المال كما يتوهمه الظلمة إذ لا يجوز لأحد من المسلمين أخذ مال أحد بغير سبب شرعي وفي المجتبى لم يذكر كيفية الأخذ وأرى أن يأخذها فيمسكها فإن أيس من توبته يصرفها إلى ما يرى وفي شرح الآثار التعزير بالمال كان في ابتداء الإسلام ثم نسخ. ا هـ. والحاصل أن المذهب عدم التعزير بأخذ المال، وأما التعزير بالشتم فلم أره إلا في المجتبى قال وفي شرح أبي اليسر التعزير بالشتم مشروع ولكن بعد أن لا يكون قاذفا ا هـ. وصرح السرخسي بأنه ليس في التعزير شيء مقدر بل هو مفوض إلى رأي القاضي لأن المقصود منه الزجر وأحوال الناس مختلفة فيه وفي الشافي التعزير على مراتب أشراف الأشراف وهم العلماء والعلوية بالإعلام وهو أن يقول له القاضي: إنك تفعل كذا وكذا فينزجر به وتعزير الأشراف وهم الأمراء والدهاقين بالإعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة وتعزير الأوساط وهم السوقة بالجر والحبس وتعزير الأخسة بهذا كله وبالضرب. ا هـ. وظاهره أنه ليس مفوضا إلى رأي القاضي وأنه ليس للقاضي التعزير بغير المناسب لمستحقه وظاهر الأول أن له ذلك، وقد ذكروا التعزير بالقتل قال في التبيين وسئل الهندواني عن رجل وجد رجلا مع امرأة أيحل له قتله قال: إن كان يعلم أنه ينزجر بالصياح والضرب بما دون السلاح لا وإن كان يعلم أنه لا ينزجر إلا بالقتل حل له القتل وإن طاوعته المرأة حل له قتلها أيضا وفي المنية رأى رجلا مع امرأته وهو يزني بها أو مع محرمه وهما مطاوعتان قتل الرجل والمرأة جميعا. ا هـ. فقد أفاد الفرق بين الأجنبية والزوجة والمحرم ففي الأجنبية لا يحل القتل إلا بالشرط المذكور من عدم الانزجار بالصياح والضرب وفي غيرها يحل مطلقا وفي المجتبى الأصل في كل شخص إذا رأى مسلما يزني أن يحل له قتله وإنما يمتنع خوفا أن يقتله ولا يصدق في أنه زنى وعلى هذا القياس المكابرة بالظلم وقطاع الطريق وصاحب المكس وجميع الظلمة بأدنى شيء له قيمة وجميع الكبائر والأعونة والظلمة والسعاة فيباح قتل الكل ويثاب قاتلهم. ا هـ. ولم يذكر المصنف من يقيمه قالوا لكل مسلم إقامته حال مباشرة المعصية، وأما بعد الفراغ منها فليس ذلك لغير الحاكم قال في القنية رأى غيره على فاحشة موجبة للتعزير فعزره بغير إذن المحتسب فللمحتسب أن يعزر المعزر إن عزره بعد الفراغ منها قال رضي الله عنه قوله: إن عزره بعد الفراغ منها فيه إشارة إلى أنه لو عزره حال كونه مشغولا بالفاحشة فله ذلك وأنه حسن؛ لأن ذلك نهي عن المنكر وكل واحد مأمور به وبعد الفراغ ليس بنهي عن المنكر؛ لأن النهي عما مضى لا يتصور فيتمخض تعزيرا وذلك إلى الإمام. ا هـ. وذكر قبله من عليه التعزير إذا قال لرجل: أقم علي التعزير ففعل ثم رفع إلى القاضي فإن القاضي يحتسب بذلك التعزير الذي أقامه بنفسه. ا هـ. وفي المجتبى فأما إقامة التعزير فقيل لصاحب الحق كالقصاص وقيل للإمام؛ لأن صاحب الحق قد يسرف فيه غلظا بخلاف القصاص؛ لأنه مقدر بخلاف التعزير الواجب حقا لله تعالى حيث يتولى إقامته كل أحد بحكم النيابة عن الله تعالى. ا هـ. وفي القنية ضرب غيره بغير حق وضربه المضروب أيضا أنهما يعزران بإقامة التعزير بالبادي منهما؛ لأنه أظلم والوجوب عليه أسبق ا هـ. (قوله: ومن قذف مملوكا أو كافرا بالزنا أو مسلما بيا فاسق يا كافر يا خبيث يا لص يا فاجر يا منافق يا لوطي يا من يلعب بالصبيان يا آكل الربا يا شارب الخمر يا ديوث يا مخنث يا خائن يا ابن القحبة يا زنديق يا قرطبان يا مأوى الزواني أو اللصوص يا حرام زاده عزر)؛ لأنه جناية قذف في المسألتين الأوليين، وقد امتنع وجوب الحد لفقد الإحصان فوجب التعزير وفيما عداهما قد آذاه وألحق الشين به ولا مدخل للقياس في الحدود فوجب التعزير وهو ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة أما الكتاب فقوله تعالى: {واهجروهن في المضاجع واضربوهن} وأما السنة فكثيرة منها «تعزيره عليه السلام رجلا قال لغيره يا مخنث» «وحبس عليه السلام رجلا بالتهمة» وأجمعت الأمة على وجوبه في كبيرة لا توجب الحد أو جناية لا توجب الحد كذا في التبيين فصار الحاصل أن كل من ارتكب معصية ليس فيها حد مقدر وثبت عليه عند الحاكم فإنه يجب التعزير من نظر محرم ومس محرم وخلوة محرمة وأكل ربا ظاهر ومن ذلك ما في القنية مسكينة أخذت كسرة خبز من خباز فضربها حتى صرعها ليس له ذلك ويعزر. ا هـ. ويؤخذ منه أن من أخذ مال أحد ليس له ضربه حيث أمكنه رفعه إلى الحاكم إلا أن يقال: إنه لقلة قيمتها ولكونها مسكينة ومن ذلك الاستخفاف بالمسلم كما في القنية ومنه المسلم إذا باع الخمر فإنه يضرب ضربا وجيعا بخلاف الذمي حتى يتقدم إليه، فإن باع في المصر بعد التقديم ثم أسلم لم يسقط الضرب كذا في القنية وفي فتاوى القاضي من يتهم بالقتل والسرقة وضرب الناس يحبس ويخلد في السجن إلى أن يظهر التوبة، وقد ذكروا في كتاب الكفالة أن التهمة تثبت بشهادة مستورين أو واحد عدل فظاهره أنه لو شهد عند الحاكم واحد مستور وفاسق بفساد شخص ليس للحاكم حبسه بخلاف ما إذا كان عدلا أو مستورين، فإن له حبسه وقال المصنف فيها ولا يحبس في الحدود والقصاص حتى يشهد شاهدان أو واحد عدل. ا هـ. وتقدير مدة الحبس راجعة إلى الحاكم كما لا يخفى وفي فتح القدير ويعزر من شهد شرب الشاربين، والمجتمعون على شبه الشرب وإن لم يشربوا ومن معه ركوة خمر والمفطر في نهار رمضان يعزر ويحبس والمسلم يأكل الربا يعزر ويحبس وكذا المغني والمخنث والنائحة يعزرون ويحبسون حتى يحدثوا توبة وكذا من قبل أجنبية أو عانقها أو لمسها بشهوة. ا هـ. وفي شرح الطحاوي والأصل في وجوب التعزير أن كل من ارتكب منكرا أو آذى مسلما بغير حق بقوله أو بفعله وجب عليه التعزير إلا إذا كان الكذب ظاهرا كقوله يا كلب. ا هـ. والمصنف رحمه الله اقتصر على مسائل الشتم لكثرة وقوعها خصوصا في زماننا وأطلق عليه قذفا مجازا شرعيا وهو حقيقة لغوية؛ لأن القذف في اللغة الرمي بالحجارة ونحوها قال تعالى: {ويقذفون من كل جانب دحورا} وقذف المحصنات رميهن بالفجور، والقذف بالغيب الرجم بالظن قال تعالى: {ويقذفون بالغيب} وقذف قذفا كذا في ضياء الحلوم وأطلق في وجوب التعزير بالشتم المذكور وهو مقيد بأن يعجز القائل عن إثبات ما قاله قال في المحيط ولو قال له: يا فاسق يا فاجر يا مخنث يا لص والمقول له فاسق أو فاجر أو لص لا يعزر ذكره الحسن في المجرد؛ لأنه صادق في أخباره فلا يكون فيه إلحاق الشين به بل الشين كان ملحقا به وفي فتح القدير إنما يجب التعزير فيمن لم يعلم اتصافه به أما من علم اتصافه، فإن الشين قد ألحقه هو بنفسه قبل قول القائل. ا هـ. وفي القنية قال له يا فاسق ثم أراد أن يثبت بالبينة فسقه ليدفع التعزير عن نفسه لا تسمع بينته؛ لأن الشهادة على مجرد الجرح والفسق لا تقبل بخلاف ما إذا قال: يا زاني ثم أثبت زناه بالبينة تقبل؛ لأنه متعلق الحد ولو أراد إثبات فسقه ضمنا لما تصح فيه الخصومة كجرح الشهود إذا قال رشوته بكذا فعليه رده تقبل البينة كذا هذه. ا هـ. وهذا إذا شهدوا على فسقه ولم يبينوه، وأما إذا بينوه بما يتضمن إثبات حق الله تعالى أو العبد، فإنها تقبل كما إذا قال له يا فاسق فلما رفع إلى القاضي ادعى أنه رآه قبل أجنبية أو عانقها أو خلا بها ونحو ذلك ثم أقام رجلين شهدا أنهما رأياه فعل ذلك ولا شك في قبولها وسقوط التعزير عن القائل؛ لأنها تضمنت إثبات حق الله تعالى وهو التعزير على الفاعل؛ لأن الحق لله تعالى لا يختص بالحد بل أعم منه ومن التعزير وكذلك يجري هذا في جرح الشاهد بمثله وإقامة البينة عليه وينبغي على هذا للقاضي أن يسأل الشاتم عن سبب فسقه، فإن يبين سببا شرعيا طلب منه إقامة البينة عليه وينبغي أنه إن بين أن سببه ترك الاشتغال بالعلم مع الحاجة إليه أن يكون صحيحا وفي مثل هذا لا يطلب منه البينة بل يسأل المقول له عن الفرائض التي يفترض عليه معرفتها. فإن لم يعرفها ثبت فسقه فلا شيء على القائل له يا فاسق لما صرح به في المجتبى من أن ترك الاشتغال بالفقه لا تقبل شهادته واقتصر المصنف في مسائل الشتم على النداء وليس بقيد؛ لأن الإخبار كذلك كما إذا قال أنت فاسق أو فلان فاسق ونحوه قال في القنية لو قال له يا منافق أو أنت منافق يعزر. ا هـ. وهذا إذا لم يخرج مخرج الدعوى قال في القنية ولو ادعى رجل عند القاضي سرقة وعجز عن إثباتها لا يعزر بخلاف دعوى الزنا؛ لأن القصد من دعوى السرقة إثبات المال لا نسبته إلى السرقة بخلاف دعوى الزنا وإن قصد إقامة الحسبة لكن لا يمكنه إثباتها إلا بالنسبة إلى الزنا فكان قاصدا نسبته إلى الزنا وفي المال يمكنه إثباته بدون نسبته إلى السرقة فلم يكن قاصدا نسبته إلى السرقة. ا هـ. وفي الظهيرية عن محمد في رجل قال إن زنيت فعبده حر فادعى العبد أنه زنى أحلف المولى بالله ما زنيت، فإن حلف لم يعتق العبد ووجب على العبد الحد للمولى وإن لم يحلف عتق العبد ولا حد على من قذفه بعد ذلك استحسانا. ا هـ. وفي الفتاوى السراجية إذا ادعى شخص على شخص بدعوى توجب تكفيره وعجز المدعي عن إثبات ما ادعاه لا يجب عليه شيء إذا صدر الكلام على وجه الدعوى عند حاكم شرعي أما إذا صدر منه على وجه السب أو الانتقاص، فإنه يعزر على حسب ما يليق به. ا هـ. والتقييد بالمسلم في قوله أو مسلما في مسائل الشتم اتفاقا إذ لو شتم ذميا، فإنه يعزر؛ لأنه ارتكب معصية كذا في فتح القدير وفي القنية من باب الاستحلال ورد المظالم لو قال ليهودي أو مجوسي يا كافر يأثم إن شق عليه. ا هـ. ومقتضاه أن يعزر لارتكابه ما أوجب الإثم، وقد جعل المصنف من ألفاظ الشتم يا كافر يا منافق وفي المحيط جعل منه يا يهودي وظاهره أن الشاتم لا يكفر به وصرح في الخلاصة أنه لو أجابه بقوله لبيك كفر ولا يخفى أن قوله ويا رافضي بمنزلة يا كافر أو يا مبتدع فيعزر؛ لأن الرافضي كافر إن كان يسب الشيخين ومبتدع إن فضل عليا عليهما من غير سب كما في الخلاصة وسيأتي في باب الردة إن شاء الله تعالى وأفاد بعطفه يا فاجر على يا فاسق التغاير بينهما. ولذا قال في القنية لو أقام مدعي الشتم شاهدين شهد أحدهما أنه قال له يا فاسق والآخر على أنه قال له يا فاجر لا تقبل هذه الشهادة. ا هـ. وأطلق في قوله يا لوطي فأفاد أنه لا يسأل عن نيته وأنه يعزر مطلقا وفي فتح القدير وقيل في يا لوطي يسأل عن نيته إن أراد أنه من قوم لوط لا شيء عليه وإن أراد أنه يعمل عملهم يعزر على قول أبي حنيفة وعندهما يحد والصحيح أنه يعزر إن كان في غضب قلت أو هزل من تعود بالهزل والقبيح. ا هـ. وقد ذكر المصنف من الألفاظ الديوث والقرطبان فقال في المغرب الديوث الذي لا غيرة له ممن يدخل على امرأته والقرطبان نعت سوء في الرجل الذي لا غيرة له عن الليث وعن الأزهري هذا من كلام الحاضرة ولم أر البوادي لفظوا به ولا عرفوه ومنه ما في قذف الأجناس كشحات ا هـ. وذكر الشارح أن القرطبان هو الذي يرى مع امرأته أو محرمه رجلا فيدعه خاليا بها وقيل هو المتسبب للجمع بين اثنين لمعنى غير ممدوح وقيل هو الذي يبعث امرأته مع غلام بالغ أو مع مزارعه إلى الضيعة أو يأذن لهما بالدخول عليها في غيبته. ا هـ. وعلى هذا يعزر بلفظ معرص؛ لأنه الديوث في عرف مصر والشام وأشار بقوله يا ابن القحبة إلى مسألتين إحداهما إذا شتم أصله، فإنه يعزر بطلب الولد كقوله يا ابن الفاسق يا ابن الكافر أو النصراني وأبوه ليس كذلك. ثانيهما: أنه لو قال لامرأته: يا قحبة يعزر ولا يحد للقذف بخلاف يا روسبي، فإنه قذف يحد به كذا في الخانية وكان الفرق بينهما أن روسبي صريح في القذف بالزنا بخلاف القحبة، فإنه كناية عن الزانية قال في الظهيرية والقحبة الزانية مأخوذ من القحاب وهو السعال وكانت الزانية في العرب إذا مر بها رجل سعلت ليقضي منها وطره فسميت الزانية قحبة لهذا. ا هـ. ومن الألفاظ الموجبة للتعزير يا رستاقي يا ابن الأسود ويا ابن الحجام وهو ليس كذلك كذا في التبيين ومنها يا خائن كما في الظهيرية ومنها يا سفيه كما في المحيط وفي فتح القدير الأولى للإنسان فيما إذا قيل له ما يوجب التعزير أن لا يجيبه قالوا لو قال له يا خبيث الأحسن أن يكف عنه ولو رفع إلى القاضي ليؤدبه يجوز ولو أجاب مع هذا فقال بل أنت لا بأس. ا هـ. وفي القنية تشاتما يجب الاستحلال عليهما وعن الشيخ الجليل المتكلم أن من شتم غيره أو ضربه فالذهاب إليه في الاستحلال لا يجب عليه ويخرج عن العهدة بالإرسال إليه. ا هـ. وهو مشكل؛ لأنه يقتضي أنه يزول عنه المأثم بمجرد الذهاب أو الإرسال سواء حالله أو أبرأه أو لا وينبغي أن يبقى الإثم إلى أن يوجد الإبراء إلا أن يقال إن الإبراء ليس في قدرته وإنما في قدرته طلب المحاللة والإبراء، وقد أتى بما في وسعه وفي الخانية التعزير حق العبد كسائر حقوقه يجوز فيه الإبراء والعفو والشهادة على الشهادة ويجري فيه اليمين يعني إذا أنكر أنه سبه يحلف ويقضى بالنكول قال في فتح القدير ولا يخفى على أحد أنه ينقسم إلى ما هو حق العبد وحق الله تعالى فحق العبد لا شك أنه يجري فيه ما ذكر، وأما ما وجب منه حقا لله تعالى فقد قدمنا أنه يجب على الإمام إقامته ولا يحل له تركه إلا فيما علم أنه انزجر الفاعل قبل ذلك ثم يجب أن يتفرع عليه أنه يجوز إثباته بمدع شهد به فيكون مدعيا شاهدا إذا كان معه آخر. فإن قلت في فتاوى قاضي خان وغيره إن كان المدعى عليه ذا مروءة وكان أول ما فعل يوعظ استحسانا ولا يعزر، فإن عاد وتكرر منه روي عن أبي حنيفة أنه يضرب وهذا يجب أن يكون في حقوق الله تعالى، فإن حقوق العباد لا يتمكن القاضي فيها من إسقاط التعزير قلت يمكن أن يكون محمل ما قلت من حقوق الله تعالى ولا مناقصة؛ لأنه إذا كان ذا مروءة فقد حصل تعزيره بالجر إلى باب القاضي والدعوى فلا يكون مسقطا لحق الله تعالى في التعزير وقوله ولا يعزر يعني بالضرب في أول مرة، فإن عاد عزره حينئذ بالضرب ويمكن كون محمله حق آدمي من الشتم وهو ممن تعزيره بما ذكرنا، وقد روي عن محمد في الرجل يشتم الناس إن كان ذا مروءة وعظ وإن كان دون ذلك حبس وإن كان سبابا ضرب وحبس يعني الذي دون ذلك والمروءة عندي في الدين والصلاح. ا هـ. ما في فتح القدير وفي الخلاصة لو ادعى عليه أنه قال له يا فاسق أو يا زنديق أو يا كافر أو يا منافق أو يا فاجر أو ما يجب فيه التعزير لا يحلفه بالله ما قلت هذا لكن يحلف بالله ما له عليك هذا الحق الذي يدعي ذكره في كيفية الاستحلال وفي القنية التعزير لا يسقط بالتوبة وفي مشكل الآثار وإقامة التعزير إلى الإمام عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد والشافعي والعفو إليه أيضا قال الطحاوي وعندي أن العفو ثابت للذي جنى عليه لا للإمام قال رضي الله عنه ولعل ما قالوه من أن العفو إلى الإمام فذاك في التعزير الواجب حقا لله تعالى بأن ارتكب منكرا ليس فيه حد مشروع من غير أن يجني على إنسان وما قاله الطحاوي فيما إذا جنى على إنسان. ا هـ. ما في القنية فهذا كله دليل على أن العفو للإمام جائز وهو مخالف لما في فتح القدير. (قوله: وبيا كلب يا تيس يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا حجام يا بغاء يا مؤاجر يا ولد الحرام يا عيار يا ناكس يا منكوس يا سخرة ويا ضحكة يا كشخان يا أبله يا موسوس لا) أي لا يعزر بهذه الألفاظ أما عدم التعزير في يا كلب يا حمار يا خنزير يا بقر يا حية يا تيس يا ذئب يا قرد فلظهور كذبه قال في الحاوي القدسي الأصل أن كل سب عاد شينه إلى الساب، فإنه لا يعزر، فإن عاد الشين فيه إلى المسبوب عزر وعلله في الهداية بأنه ما ألحق الشين به للتيقن بنفيه وفي هذه الألفاظ ثلاثة مذاهب ظاهر الرواية أنه لا يعزر مطلقا لما ذكرنا واختار الهندواني أنه يعزر به وهو قول الأئمة الثلاثة؛ لأن هذه الألفاظ تذكر للشتيمة في عرفنا وفي فتاوى قاضي خان في يا كلب لا يعزر قال وعن الفقيه أبي جعفر أنه يعزر؛ لأنه شتيمة ثم قال والصحيح أنه لا يعزر؛ لأنه كاذب قطعا. ا هـ. وفي المبسوط، فإن العرب لا تعده شتيمة ولهذا يسمون بكلب وذئب وذكر قاضي خان عن أمالي أبي يوسف في يا خنزير يا حمار يعزر ثم قال وفي رواية محمد لا يعزر وهو الصحيح وصاحب الهداية استحسن التعزير إذا كان المخاطب من الأشراف وتبعه في التبيين وسوى في فتح القدير بين قوله يا حجام وبين قوله يا ابن الحجام حيث لم يكن كذلك في عدم التعزير وفرق بينهما في التبيين فأوجب التعزير في يا ابن الحجام دون يا حجام كأنه لعدم ظهور الكذب في قوله يا ابن الحجام لموت أبيه فالسامعون لا يعلمون كذبه فلحقه الشين بخلاف قوله له يا حجام؛ لأنهم يشاهدون صنعته. وأما بغا بالباء الموحدة والغين المعجمة المشددة فهو المأبون بالفارسية ويقال باغا وكأنه انتزع من البغاء كذا في المغرب وينبغي أن يجب التعزير فيه اتفاقا؛ لأنه ألحق الشين به لعدم ظهور الكذب فيه ظاهرا؛ لأنه مما يخفى وهو بمعنى يا معفوج وهو المأتي في الدبر، وقد صرح في الظهيرية بوجوب التعزير فيه معللا بأنه ألحق الشين به بل هو أقوى إيذاء؛ لأن الابنة في العرف عيب شديد إذ لا يقدر على ترك أن يؤتى في دبره بسبب دودة ونحوها، وأما المؤاجر، فإن كان بكسر الجيم فهو بمعنى المؤجر للشيء ولا عيب فيه إلا أن هذا اللفظ لهذا المعنى في اللغة خطأ وقبيح وإن كان بفتح الجيم بمعنى المؤجر بالفتح يقال آجره المملوك فاسم المفعول مؤجر ومؤاجر كذا في المغرب فقد نسبه إلى أن غيره قد استأجره ولا عيب فيه سواء كان صادقا أو كاذبا؛ لأنها عقد شرعي، وأما ولد الحرام فينبغي التعزير به؛ لأنه في العرف بمعنى يا ولد الزنا ولم يجب القذف؛ لأنه ليس بصريح، وقد ألحق الشين به، وقد أبدله في فتح القدير بيا ولد الحمار وهذا هو الظاهر وأما العيار بالعين المهملة المفتوحة والياء المثناة التحتية المشددة فهو كثير المجيء والذهاب عن ابن دريد وعن ابن الأنباري العيار من الرجال الذي يخلي نفسه وهواها لا يردعها ولا يزجرها وفي أجناس الناطفي الذي يتردد بلا عمل وهو مأخوذ من قولهم فرس عائر وعيار كذا في المغرب وكأنه لما كان أمر الإنسان ظاهرا من التردد أو كثرة المجيء والذهاب لم يلحق الشين به فلذا لم يعزر، وأما قوله يا ناكس يا منكوس ففي ضياء الحلوم من باب فعل بكسر العين النكس الرجل الضعيف ومن باب فعل بالفتح يفعل بالضم النكس قلب الشيء على رأسه قال الله تعالى: {ثم نكسوا على رءوسهم} ا هـ. فكأنه دعا على المخاطب فلا تعزير فيه لعدم إلحاق الشين به، وأما السخرة بضم السين ففي المغرب السخري من السخرة وهو ما يتسخر أي يستعمل بغير أجر. ا هـ. فلا شين فيه بل هو مدح، وأما الضحكة بضم الضاد فهو الشيء يضحك منه كذا في ضياء الحلوم ولا يخفى أن المقول له إذا لم يكن كذلك فقد استخف به ومن استخف بغيره عزر فينبغي التعزير به ولذا قال في الولوالجية لو قال له: يا ساحر يا ضحكة يا مقامر لا يعزر هكذا ذكر في بعض المواضع والظاهر أنه يجب ا هـ. وأما الكشحان فرأيت في بعض الحواشي أنه بالحاء المهملة وفي المغرب الكشحان الديوث الذي لا غيرة له وكشحه وكشحته شتمته ويقال يا كشحان. ا هـ. فحينئذ هو بمعنى القرطبان والديوث فيجب فيه التعزير ولذا قال في فتح القدير والحق ما قاله بعض أصحابنا: إنه يعزر في الكشحان إذ قيل له قريب من معنى القرطبان والديوث. ا هـ. فما في المختصر مشكل لكن قال في ضياء الحلوم كشح القوم عن الشيء إذا تفرقوا عنه وذهبوا وكشح له بالعداوة وأضمرها في كشحه؛ لأن العداوة فيه وقيل الكاشح المتباعد عن مودة صاحبه من قولهم كشح القوم على الشيء إذا ذهبوا عنه وفي الحديث: «أفضل الصدقة على ذي الرحم الكاشح»، فإن صح مجيء الكشخان منه فلا إشكال أنه ليس بمعنى القرطبان فلذا فرق المصنف بينهما. وأما الأبله ففي ضياء الحلوم البله الغفلة وفي الحديث: «أكثر من يدخل الجنة البله» قيل البله في أمر الدنيا الغافلون عن الشر وإن لم يكن بهم بله قال الزبرقان خير أولادنا الأبله العقول أي الذي هو لشدة حيائه كالأبله وهو عاقل. ا هـ. فعلم أنها صفة مدح وإن كانت مفضولة بالنسبة لمن عنده حذق وعلم كما صرح به القرطبي في شرح مسلم في قوله عليه السلام: «إن أهل الجنة يتراءون الغرف فوقهم كالكوكب الدري» وصرح بأن المراد بهم البله وأن العلماء هم أهل الغرف فوقهم وقيد بالأبله احترازا عن البليد، فإنه يعزر به قال في الولوالجية لو قال يا بليد يا قذر يجب فيه التعزير؛ لأنه قذفه بمعصية ولأنه ألحق الشين به. ا هـ. وفي كونه معصية نظر والظاهر التعليل الثاني، وأما الموسوس فضبطه في الظهيرية في فصل التعزير بكسر الواو وفي المغرب رجل موسوس بالكسر ولا يقال بالفتح ولكن موسوس له أو إليه أي ملقى إليه الوسوسة وقال الليث: حديث النفس وإنما قيل موسوس؛ لأنه يحدث بما في ضميره وعن أبي الليث لا يجوز طلاق الموسوس يعني المغلوب في عقله عن الحاكم هو المصاب في عقله إذا تكلم تكلم بغير نظام. (قوله: وأكثر التعزير تسعة وثلاثون سوطا). وعن أبي يوسف أكثره خمسة وسبعون سوطا والأصل فيه الحديث: «من بلغ حدا في غير حد فهو من المعتدين» فتعذر تبليغه حدا بالإجماع غير أن أبا حنيفة اعتبر أدنى الحدود وهو حد العبيد؛ لأن مطلق ما روينا يتناوله وأقله أربعون وأبو يوسف اعتبر حد الأحرار؛ لأنهم هم الأصول وأقله ثمانون فلا بد من النقص عنه ففي رواية عنه ينقص خمسة وروي ذلك عن علي رضي الله عنه وهو ظاهر الرواية عن أبي يوسف كما في فتح القدير قيل وليس فيه معنى معقول فلا يضره؛ لأنه قلد فيه عليا رضي الله عنه ويجب تقليد الصحابي فيما لا يدرك بالرأي وفي رواية ينقص سوط وفي الحاوي القدسي قال أبو يوسف أكثره في العبد تسعة وثلاثون سوطا وفي الحر خمسة وسبعون سوطا وبه نأخذ ا هـ. فعلم أن الأصح قول أبي يوسف وفي المجتبى وروي أنه ينقص منها سوطا وهو قول زفر وهو القياس وهو الأصح. ا هـ. وفي فتح القدير وبما ذكرنا من تقدير أكثره بتسعة وثلاثين يعرف أن ما ذكر مما تقدم من أنه ليس في التعزير شيء مقدر بل مفوض إلى رأي الإمام أي من أنواعه، فإنه يكون بالضرب وبغيره مما تقدم ذكره أما إن اقتضى رأيه الضرب في خصوص الواقعة، فإنه حينئذ لا يزيد على تسعة وثلاثين. ا هـ. وقد وقع لي تردد في مسألة وهي أن إنسانا لو ضرب إنسانا بغير حق أكثر من أكثر التعزير ورفع إلى القاضي وثبت عليه أنه ضربه مثلا خمسين سوطا كيف يعزره القاضي، فإنه إن ضربه خمسين زاد على أكثر التعزير وإن اقتصر على الأكثر لم يكن مستوفيا لحق المضروب إلا أن يقال: إن حقه التعزير لا القصاص، وقد صرح في الخانية أن مما يجب التعزير به الضرب. (قوله: وأقله ثلاثة) أي أقل التعزير بالضرب ثلاثة أسواط وهكذا ذكر القدوري فكأنه يرى أن ما دونها لا يقع به الزجر وليس كذلك بل يختلف ذلك باختلاف الأشخاص فلا معنى لتقديره مع حصول المقصود بدونه فيكون مفوضا إلى رأي القاضي يقيمه بقدر ما يرى المصلحة فيه على ما بينا تفاصيله وعليه مشايخنا كذا في التبيين. والحاصل أن على ما في المختصر لو علم القاضي أن الزجر يحصل بسوط لا يكتفي به بل لا بد من الثلاثة وعلى قول المشايخ يكتفي به. ا هـ. (قوله: وصح حبسه بعد الضرب) أي جاز للحاكم أن يحبس العاصي بعد الضرب فيجمع بين حبسه وضربه؛ لأنه صلح تعزيرا، وقد ورد به الشرع في الجملة حتى جاز أن يكتفي به فجاز أن يضم إليه ولهذا لم يشرع في التعزير بالتهمة قبل ثبوته كما شرع في الحد؛ لأنه من التعزير أطلق في الحبس فشمل الحبس في البيت والسجن قال في الحاوي القدسي، وقد يكون التعزير بالحبس في بيته أو في السجن. ا هـ. (قوله: وأشد الضرب التعزير)؛ لأنه جرى التخفيف فيه من حيث العدد فلا يخفف من حيث الوصف كي لا يؤدي إلى فوات المقصود ولم يذكر المصنف أنه يفرق على الأعضاء كضرب الحدود؛ لأنه لا يفرق كما في الهداية وإليه يشير إطلاق الأشدية الشاملة لقوته وجمعه في عضو واحد وفي حدود الأصل يفرق التعزير على الأعضاء وفي أشربة الأصل يضرب التعزير في موضع واحد قال في التبيين وليس في المسألة اختلاف الرواية وإنما اختلف الجواب لاختلاف الموضوع فموضوع الأول إذا بلغ بالتعزير أقصاه وموضوع الثاني إذا لم يبلغ. ا هـ. وهكذا في المجتبى وفي فتح القدير وأثبت الاختلاف في غاية البيان معزيا إلى الإسبيجابي فقال بعضهم الشدة هو الجمع فتجمع الأسواط في عضو واحد ولا يفرق على الأعضاء بخلاف سائر الحدود وقال بعضهم لا بل شدته في الضرب لا في الجمع. ا هـ. قالوا ويتقي المواضع التي تتقى في الحدود قال في المجتبى ويضرب الظهر والألية قالوا ويبلغ في التعزير غايته وهو تسعة وثلاثون سوطا فيما إذا أصاب من الأجنبية كل محرم غير الجماع وفيما إذا أخذ السارق بعدما جمع المتاع قبل الإخراج وفيما إذا شتمه بجنس ما يجب به حد القذف كقوله للعبد أو الذمي يا زاني وأشار بالأشدية إلى أنه يجرد من ثيابه قال في غاية البيان ويجرد في سائر الحدود إلا في حد القذف، فإنه يضرب وعليه ثيابه كما قدمناه ويخالفه ما في فتاوى قاضي خان يضرب للتعزير قائما عليه ثيابه وينزع الفرو والحشو ولا يمد في التعزير. ا هـ. والظاهر الأول لتصريح المبسوط به وإلى أنه لو اجتمع التعزير مع الحدود قدم التعزير في الاستيفاء لتمحضه حقا للعبد كذا في الظهيرية. (قوله: ثم حد الزنا)؛ لأنه ثابت بالكتاب وحد الشرب ثابت بقول الصحابة رضي الله عنهم ولأنه أعظم جناية حتى شرع فيه الرجم. (قوله: ثم الشرب ثم القذف) يعني حد الشرب يلي حد الزنا في شدة الضرب قدمناه وحد القذف أدنى الكل وإن كان ثابتا بالكتاب إلا أن سببه محتمل لاحتمال كونه صادقا وسبب حد الشرب متيقن به وهو الشرب والمراد أن الشرب متيقن السببية للحد لا متيقن الثبوت؛ لأنه بالبينة أو الإقرار وهما لا يوجبان اليقين. (قوله: ومن حد أو عزر فمات فدمه هدر)؛ لأنه فعل ما فعل بأمر الشارع وفعل المأمور لا يتقيد بشرط السلامة كالفصاد والبزاغ قال في ضياء الحلوم ذهب دمه هدرا أي باطلا. (قوله: بخلاف الزوج إذا عزر زوجته لترك الزينة والإجابة إذا دعاها إلى فراشه وترك الصلاة والخروج من البيت) يعني فماتت، فإنه يكون ضامنا ولا يكون دمها هدرا؛ لأنه مباح ومنفعته ترجع إليه كما ترجع إلى المرأة من وجه وهو استقامتها على ما أمر الله تعالى به، وقد ظهر بهذا أن كل ضرب كان مأمورا به من جهة الشارع، فإن الضارب لا ضمان عليه بموته وكل ضرب كان مأذونا فيه بدون الأمر فإن الضارب يضمنه إذا مات لتقييده بشرط السلامة كالمرور في الطريق وظهر أن الزوج لا يجب عليه ضرب زوجته أصلا وظهر به أيضا أن له ضربها في أربعة مواضع لكن وقع الاختلاف في جواز ضربها على ترك الصلاة فذكر هنا تبعا لكثير أنه يجوز وفي النهاية تبعا لما في كافي الحاكم أنه لا يجوز له؛ لأن المنفعة لا تعود إليه بل إليها وليس في كلام المصنف ما يقتضي أنه ليس له ضربها في غير هذه الأربعة أشياء ولهذا قال الولوالجي في فتاويه للزوج أن يضرب زوجته على أربعة أشياء وفي معناها ففي قوله وما في معناها إفادة عدم الحصر فما في معناها ما إذا ضربت جارية زوجها غيرة ولا تتعظ بوعظه فله ضربها كذا في القنية. وينبغي أن يلحق به ما إذا ضربت الولد الذي لا يعقل عند بكائه؛ لأن ضرب الدابة إذا كان ممنوعا فهذا أولى منه ما إذا شتمته أو مزقت ثيابه أو أخذت لحيته أو قالت له يا حمار يا أبله أو لعنته سواء شتمها أو لا على قول العامة ومنه ما إذا شتمت أجنبيا ومنه ما إذا كشفت وجهها لغير محرم أو كلمت أجنبيا أو تكلمت عامدا مع الزوج أو شاغبت معه ليسمع صوتها الأجنبي ومنه ما إذا أعطت من بيته شيئا من الطعام بلا إذنه حيث كانت العادة لم تجر به وإن كانت العادة مسامحة المرأة بذلك بلا مشورة الزوج فليس له ضربها ومنه ما إذا ادعت عليه وليس منه ما إذا طلبت نفقتها أو كسوتها وألحت؛ لأن لصاحب الحق يد الملازمة ولسان التقاضي كذا أفاده في البزازية في مسائل الضرب من فصل الأمر باليد والمعنى الجامع للكل أنها إذا ارتكبت معصية ليس فيها حد مقدر، فإن للزوج أن يعزرها كما أن للسيد ذلك بعبده كذا في البدائع من فصل القسم بين النساء وهو شامل لما كان متعلقا بالزوج وبغيره، وقد صرحوا بأنه إذا ضربها بغير حق وجب عليه التعزير ولا يخفى أنه إنما يجوز ضربها لترك الزينة إذا كانت قادرة عليها وكانت شرعية وإلا فلا كما أنه يجوز ضربها لترك الإجابة إذا كانت طاهرة عن الحيض وعن النفاس وكما يجوز ضربها للخروج إذا كان الخروج بغير حق وأما إذا كان بحق فليس له ضربها عليه وقدمنا المواضع التي تخرج إليها بغير إذنه في كتاب النفقات وأطلق في الزوجة فشمل الصغيرة ولذا قال في التبيين إن التعزير مشروع في حق الصبيان وفي القنية مراهق شتم عالما فعليه التعزير. ا هـ. وفي المجتبى معزيا إلى السرخسي الصغير لا يمنع وجوب التعزير ولو كان حقا لله تعالى لمنع وعن الترجماني البلوغ يعتبر في التعزير أراد به ما وجب حقا لله تعالى نحو ما إذا شرب الصبي أو زنى أو سرق وما ذكره السرخسي فيما يجب حقا للعبد توفيقا بينهما. ا هـ. قيد بالزوجة لا بالأب والمعلم لا يضمن وفي القنية ولا يجوز ضرب أختها الصغيرة التي ليس لها ولي بترك الصلاة إذا بلغت عشرا وله أن يضرب اليتيم فيما يضرب ولده به وردت الآثار والأخبار وفي الروضة له أن يكره ولده الصغير على تعلم القرآن والأدب والعلم؛ لأن ذلك فرض على الوالدين ولو أمر غيره بضرب عبده حل للمأمور ضربه بخلاف الحر قال رضي الله عنه فهذا نصيص على عدم جواز ضرب ولد الآمر بأمره بخلاف المعلم؛ لأن المأمور يضربه نيابة عن الأب لمصلحته والمعلم يضربه بحكم الملك بتمليك أبيه لمصلحة الولد. ا هـ. وفيها أيضا عن أبي بكر أساء عبده لا يعزره وهذا خلاف قول أصحابنا وله التعزير دون الحد وبه نأخذ وكذلك امرأته؛ لأن الله تعالى قال {واضربوهن}. ا هـ. والله أعلم.
|